بِسم اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم
السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و بركاتهُ :ــ
(١٨) الموعِظة الثامنة عشر:[غزوة فتح مكة]
الحمدُ للهِ وحدهُ، والصّلاةُ والسّلام على من لا نبيَّ بعدهُ، سيّدنا و نبيِّنا و شفِيعنا محمدٍ إِبنُ عبد الله وعلى آلهِ وصحبهِ ومن إهتدى بهديهِ وإقتدى بأثرهِ إلى يومِ الدين، وبعد:ــ
إخواني و أخواتي في الله كما نعلم أن شهر رمضان المبارك شهر العِزة و الإنتصارات الإسلامية شهر أعزَّ الله فيهِ الإسلام و نصر فيه نبيهِ ، ففي موعظة الأمس تكلمتُ فيها عن غزوةِ بدرٍ الكبرى و في هذه الموعظة الحديث أيضاً عن غزوة فتح مكة المُكرمة، البلد الأمين التي حدثت في السنة الثامنة من الهجرة فأنقذ الله نبيهِ و الصحابة و التابعين بهذا الفتح العظيم من الشرك الأثيم ، وأصبح بلداً آمناً إسلامياً حلًَ فيهِ التوحيد عن الشرك والإيمان عن الكفر والإسلام عن الإستكبار.
وسببُ هذا الفتح العظيم : أنَّهُ لما تمَّ الصُلحُ بين النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم وبين قريش في الحديبية في السنةِ السادسة من الهجرة كانَ من أحبَّ أن يدخل في عهدِ النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم فعل ومن أراد أن يدخل في عهد قريش فعل ، فدخلت خُزاعة في عهد النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم ودخلت بنو بكر في عهد قريش وكان بين القبيلتين دماء في الجاهلية ، فانتهزت بنو بكر هذه الهُدنة فأغارت على خُزاعة وهم آمنون ، وأعانت قريش حلفاءها بني بكر بالرجال والسلام سراً على خزاعة حلفاء النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم فقدم جماعةٌ منهم إلى النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم فأخبروهُ بما صنَعت بنوبكر وإعانة قريش لها .
أما قريش فسقط في أيديهم ورأوا أنَّهم بفعلهم هذا نقضوا عهدهم فأرسلوا زعيمهم أبا سفيان إلى رسولِ الله صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم ليشدَّ العقد ويزيد في المدة، فكلم النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم في ذلك فلم يردَّ عليهِ ثم كلَّم أبا بكر وعمر ليشفعا لهُ إلى رسول الله صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم فلم يفلح ، ثم كلّم عليّ إبن أبي طالب فلم يفلح أيضاً فقال لهُ : ما ترى يا أبا الحسن ؟ قال : ما أرى شيئاً يغني عنك ولكن سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس ، قال : أترى ذلك مغنياً عني شيئاً قال : لا واللهِ ! ولكن ما أجد لك غيره ففعل أبوسفيان ثم رجع إلى مكة فقالت لهُ قريش : ما وراءك ؟ قال أتيتُ محمداً فكلمتهُ فواللهِ ما ردّ علي شيئاً ثم أتيتُ ابن أبي قحافة وابن الخطاب فلم أجد خيراً ثم أتيتُ علياً فأشار علي بشئ صنعتهُ أجرت بين الناس ، قالوا : فهل أجاركَ ذلك محمداً؟ قال : لا قالوا : ويحك ! ما زاد الرجل – يعنون علياً : أن لعب بك .
وأما النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم امر أصحابه بالتجهز للقتال وأخبرهم بما يريد واستقر من حولهُ من القبائل وقال؛ ( الله خذ الأخبار والعيون عن قريش حتى نبغتها في بلادها ) ثم خرج من المدينةِ بنحو عشرة ألاف مقاتل ولما بلغ مكاناً يسمى مَرّ الظهران قريباً من مكة أمر الجيش فأوقدوا عشرة ألاف نار ، وجعل على الحرس عُمر بن الخطاب رضيَّ اللهُ عنهُ وركب العباس بغلة النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم ليلتمس أحداً يُبلغ قريشاً ليخرجوا إلى النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم فيطلبوا الأمان منهُ ولا يحصل القتال في مكة
ثم أمر النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم العباس أن يُوقف أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى يمر به المسلمون فمرت بهِ القبائل على راياتها ، ما تمر به قبيلة إلا سأل عنها العباس فيخبرهُ ، فيقول : ما لي ولها ! حتى أقبلت كتيبة لم تر مثلها فقال من هذه ؟ قال العباس هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فلما حاذاه سعد قال : أبا سفيان ! اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة ثم جاءت كتيبة – وهي أقلِ الكتائب وأجلّها – فيهم رسولُ الله صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم فقال صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم (كذب سعد ! ولكن هذا يوم يُعظمُ الله فيهِ الكعبة ويوم تُكسى فيهِ الكعبة) ثم أمر الرسول صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم أن تُؤخذ الراية من سعد وتدفع إلى إبنهِ قيس ورأى أنها لم تخرج عن سعد خروجا كاملا إذ صارت إلى إبنهِ ثُمَّ مضى النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم وأمر ان تركز رايتهِ بالحجون ثم دخل مكة فاتحاً مؤزراً منصوراً قد طأطأ راسهُ تواضعاً لله عزَّ وجلَّ حتى إنَّ جبهتهُ تكاد تمس رجلهُ وهو يقرأ " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا " ويرجعها وبعث النبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم إلى إحدى المجنبتين خالد بن الوليد وعلى الأخرى الزبير بن العوام ، وقال:(من دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل بيتهِ وأغلق بابهُ فهو آمن) ثم مضى رسول الله صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم حتى أتى المسجد الحرام فطاف بهِ على راحلتهِ وكان حول البيت ستون وثلاث مئة صنمٍ فجعلالنبيَّ صَلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم يطعنها بقوسٍ معهُ ويقول " وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" ثم دخل الكعبة فإذا فيها صور فأمر بها فمُحيت ثم صلى فيها، فَعَمَّ التكبير وتوحيد الله عزَّ و جلَّ في جميع المدينة و الحمدُ الشكر لله.
إعداد و تحضير الفقير إلى رحمةِ الله ،
أخيكم في الله: معاوية فهمي.
وكلُ عامٍ و الأُمَّةُ الإِسلامية بخير.
§§§§§§§§§§§